قال الله تعالى في كتابه الكريم: "يا أيها الذّين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذّين من قبلكم لعلّكم تتّقون، أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر..." الآية من سورة البقرة.
خالق البشر اعلم بما يضرهم وبما ينفعهم، جعل لعباده المحطات الزمانية والمكانية ليزدادوا منه قربا، ومن أهم المحطات الزمانية في الوقت المعلوم "شهر رمضان المبارك" الذي يزورنا في كل عام مرة، المحطة الهامة لو يعلم الإنسان عظم فوائدها لما تركها تمر عليه دون التزود والاستشفاء منها، ولقد جاء في الحديث الشريف فيما معناه عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "لو يعلم العبد ما في رمضان لتمنى أن يكون العام كله رمضان".
وكما يتبين من سياق الآية الكريمة والحديث الشريف أن الله تعالى فرض صيام هذه الشعيرة على كل البشر في مختلف الأزمنة وبكيفيات مختلفة حتى استقرت عليه كما فرضت على المسلمين في السنة الثانية من الهجرة بالكيفية الحالية المعلومة. وأريد في هذه الوقفة أن أشير فقط إشارات بسيطة إلى بعض فوائد الصوم الصحية والنفسية لعلي استفز مجموع المشاركين في المنتديات بأن يشاركوننا بالتفاصيل والزيادات لتعم الفائدة في شهر الفوائد.
الفوائد الصحية
أولا: تأثير الصوم على الجهاز الهضمي
من غير المعقول أن يظن الناس أن حرمانهم من الأكل والشرب طوال اليوم "من طلوع الفجر إلى غروب الشمس" هو حرمان لهم من المتع التي أحلها الله لعباده، أو النيل من قوى أجسادهم والتكاسل في أعمالهم كما هو حال الكثير من الصائمين، بل العكس هو الصحيح وتعالى معي لترى بعض الفوائد العظيمة التي لا تتحقق إلا بالصوم.
* راحة للجهاز الهضمي من الفم إلى المستقيم: فخلو مسار الجهاز الهضمي من الطعام خلال اليوم يساهم في استراحته وتجديد طاقته، فتقل إفرازات المعدة اللازمة لهضم الطعام وتقل إفرازات غدة البنكرياس وترتاح الأمعاء من التقلصات الهضمية ويتخلص القولون والمستقيم من تخزين الفضلات كما يتخلص الكبد من مخزوناته الكربوهيدراتية ويحولها إلى طاقة في حالة الجوع.
وانظر إلى ما صرح به أحد أطباء الغرب " يحتاج جسم الإنسان إلى شهر على الأقل في كل عام ليتخلص الكبد من المخزونات السامة وتجديدها".
وبعضهم من الراسخين في العلم ينصح مرضاه بالصيام لما تستعصي عليهم بعض الأمراض المتعلقة خاصة بالمناعة والجهاز الهضمي.
ثانيا: على القلب وجهاز الدوران
من المعلوم بأن نسبة 10 ¬في المائة من الدورة الدموية توجه إلى الجهاز الهضمي أثناء تناول الوجبات لمساعدته على الهضم وامتصاص الطعام لذلك يحس الفرد لما يتناول الوجبة الرئيسية بنوع من الخمول والركون إلى الراحة قليلا. أما أثناء الصيام فتوزع النسبة السابقة على الأجهزة الحيوية الأخرى لتقوم بوظيفتها أحسن قيام.
ثالثا: على الكلى والجهاز البولي
تتخلص الكليتان من كل الشوارد الموجودة بالدم خلال يوم كامل وطرحها في البول ليتحقق بذلك توازن داخلي ووسط قلوي حمضي في منتهى التوازن.
رابعا: على المخ والجملة العصبية
يؤدي الصوم إلى التركيز وزيادة صبيب الدم إلى المخ مما يساعد على التفكير أكثر والدقة في الأداء، ولا يتحقق ذلك إلا عندما يكون الجهاز الهضمي في راحة تامة من الناحية الوظيفية.
خامسا: على الجهاز المناعي
كل التجارب التي أجريت على الإنسان الصائم لاختبار الجهاز المناعي تؤكد وبلا غموض مساهمة الصيام مساهمة فعالة في تقوية الجهاز المناعي لديه، مما يساعد على مواجهة الأمراض المختلفة.
أما الفوائد النفسية فلا أستطيع أن أحصيها وذلك لكثرتها وتشعبها ويكفي أن نذكر منها ما يلي:
تربية النفس وتقويمها وحملها على الصبر وتحمل الجوع والعطش ومختلف الملذات في النهار.
إحساس الصائم بحال الجائعين الذين لا يملكون قوت يومهم وذلك مشاركة لهم، والتفكير في مساعدتهم والقيام بواجب إنساني تجاههم وهي أعظم صورة من صور التكافل الإنساني الوجداني.
تجلي صورة من صور الوحدة في الصيام لما يتوحد تاريخ بداية رمضان وما يبعث ذلك في النفس من الشعور بالانتماء.
طمأنينة يبعث الله بها في قلب الصائم وهو يحتسب الأجر عند الله وما لذلك من أثر في بعث الهمة وتجديد العزيمة بالتقرب أكثر على الخالق جل شأنه.
فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر في تحريها والقيام بحقها إحساس بقوة الصلة بالخالق، وزيادة في اجر وثواب العبد.
وباختصار هذا الشهر هو المصحة الكبرى لعلاج العلل والأمراض، الدواء فيها من الله والعلاج بالمجان والنتائج مضمونة لمن التزم بنصائح طبيب الأمة ومداوي جراحها عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.